التغيير برس

ناموا ولا تستيقضوا

معروف الرصافي، الشاعر العراقي، الذي عاش في الفترة من عام 1875م وحتى عام 1945م، عرفناه في طفولتنا من خلال قصيدته المشهورة (ناموا ولا تستيقظوا ما فاز إلّا النوَّمُ). وقد مرت عقود من الزمن، كدنا ننسى خلالها تلك القصيدة، التي عبر فيها الشاعر عن الحالة العربية السائدة في زمنه، وضمنها نقداً مريراً لسلبية معاصريه واستسلامهم لتلك الحالة. وقبل أيام وقع نظري على هذه القصيدة، وأنا أقلب صفحات بعض الكتب والدواوين القديمة. وأحسست وأنا أعيد قراءتها، وكأن الشاعر وهو يعبر عن واقع الحال في زمنه، إنما يصف واقعنا الراهن، كما أحسست بأن الزمن العربي جامد لا يتحرك، منذ عهد معروف الرصافي وحتى اليوم، وإن تحرك، فإنه يتحرك في عكس الاتجاه. فيتراجع نحو الخلف، بدلاً من أن يتحرك نحو الأمام. فحالنا اليوم أسوأ بكثير من حالنا قبل سبعين وستين عاماً. أمضينا العقود الماضية في عبث وجهالة، نرفع شعارات متطرفة، ينقض بعضها بعضاً، وتشدنا جميعها نحو الخلف، ونحسب أننا نندفع نحو الأمام. وقد اخترت من هذه القصيدة أبياتا، تستحق التوقف عندها والتأمل في معانيها والمقارنة، من خلالها، بين أحوال الأمس وحالنا اليوم:  

يا قومُ لا تتكلَّموا إنَّ الكلامَ محرَّمُ 

ناموا ولا تستيقظوا ما فاز إلَّا النُّوَّمُ

وتأخَّروا عن كل ما يقضي بأن تتقدَّموا

ودعوا التَّفهُّم جانباً فالخير ألَّا تفهموا

وتثبَّتوا في جهلكم فالشَّرُّ أن تتعلَّموا

من شاء منكم أن يعيشَ اليوم وهو مكرَّمُ

فلْيمسِ لا سمعٌ ولا بصرٌ لديه ولا فمُ

اخبار التغيير برس

لا يستحقُّ كرامةً إلَّا الأصمُّ الأبكمُ

وإذا ظُلمتم فاضحكوا طرباً ولا تتظلَّموا

وإذا أُهنتم فاشكروا وإذا لُطمتم فابسموا

إن قيل إنَّ بلادَكم يا قومُ سوف تُقسَّمُ

فتحمَّدوا وتشكَّروا وترنَّحوا وترنَّموا

سامح الله الشاعر العراقي، معروف الرصافي، وغفر له. فقد طلب منا أن ننام ولا نستيقظ، وأغرانا بالفوز، إذا نمنا. وفهمنا طلبه على غير وجهه الصحيح، وعملنا بنصيحته ولم نقصر، ولكننا لم نفز حتى الآن، بل أدى نومنا الطويل إلى خسران الحاضر. وإذا لم نفهم معنى نصيحته التقريعية على حقيقتها، فسنخسر المستقبل أيضاً

التغيير برس