قطعت شعوب العالم الثالث اشواطا في الجهل والاستكانة والزهد في الحقوق حدا يجعل الظالم والمستبد يمضي بكل ثقة وبلا تأنيب ضمير في استغلالها وقهرها وسلب ارادتها وقرارها.
ومما يثير الانتباه ان الذين يدافعون عن الاوطان وعن كرامة الانسان، ويضحون بانفسهم في هذا المضمار، وفي سبيل الحق والعدالة، وتجهر اصواتهم الغيورة في مختلف المنابر المتاحة، هم اناس بسطاء، لا يملكون سلطة ولا جاها، ولا نفوذا ولا مغنما، الا ما انتزعوه بعرق جبينهم.
وحين تجول ببصرك هنا او هناك، وعلى كل المستويات، سواء الوظيفة العامة، او الوجاهات من المشايخ الاعيان والنخب، التي يعول عليها التغيير، لا تراها الا مستكينة، واصواتها خافتة وليست على استعداد لتقديم اي نوع من التضحيات، حتى لا تفقد امتيازاتها او جزء منها.
واذا ما نجح الصنف الأول في انتزاع حق، او تحقيق انجاز معين، الا ورأيت هؤلاء في الصفوف الأولى، فهذا فلان ابن فلان، وهذا ابن الاكرمين، وهذا ابن الأحسبين، وهلمجراء.
اخبار التغيير برسويرمقونك بنظرات الاشفاق لفقر رصيدك، ولقلة حيلتك، يقطفون ثمار نجاحك وانجازك ويسرقونه من بين يديك ثم لا يزاولون هم اهل العفة واليد العليا، يسيل لعابهم لنكهة الحرية التي صنعتها لهم، ثم لا يزالون هم أهل الجود والكرم، تفتقدهم في كل مواطن الاقدام والتضحية، ثم لا يزالون هم أهل الشجاعة والبسالة.
انهم من حيث لا يشعرون ليسوا سوى بطانة فرعون، واعوان الاستبداد وعروقه، التي يجري فيها دمه. تجلس الى الناس فلا ترى اصدقهم مقالا وابذلهم يدا وانقاهم سريرة واحنهم قلوبا واقربهم مودة واشدهم غيرة على الوطن إلا فئة من بسطاء الناس لو ارادت لعاشت حياتها في هدوء.