التغيير برس

قصة قصيرة دكتور جامعي..!!

قصة قصيرة دكتور جامعي..!!

 

أطبق على نفسه في الحجرات المظلمة ليس لأنه يحب الظلام ولكن لانقطاع الكهرباء وحرمانه منها، يصارع الظلام الدامس ويده الذي يكاد ألا يراها، ليكمل ما تبقي من تصحيح دفاتر الاجابة، ينظر إلى الشمع وإذا بنورها أن ينطفئ، يشاهدها وهي تلفظ نورها الأخير.

 أطرق برأسه وهو يعدُّ ساعات الليل الكئيبة التي لم تنتهِ، يبحر في بحور الأحزان وهو ينظر لزوجته واطفاله وهم نيام على فراش قديم مطروح على الأرض، بخطىً ثقيلة وهموم أثقل أخذ يتمشى في غرف البيت الخاويتين، ينظر الى الجدران الجرداء، الذي لم يبقي فيها غير صورة قديمة لوالده المتوفى وهو يرتدي الزي اليمني الأصيل، وبجوارها صورة لأخيه الشاب الشهيد، وإلى جورها صورة ابن عمه وصديق طفولته الشهداء.

نظر الى المكان بألم شديد، وتحسر كبير، لم يبقَ هناك شيئ يستحق البيع، فقد باع معظم حاجياته الأساسية ومتخراته، قبل ست سنوات باع الثلاجة والغسالة والفرن، التي اشتراها بالتقسيط من راتبه المنقطع أصلاً، وقبلها باع المجلس العربي الذي يتفاخر به أمام ضيوفه، وقبلهن جميعًا باع غرفة النوم، ثم استذكر ان أكثر شيءٍ آلمه هو إنه باع كتبه التي جمعها كتابًا كتابًا منذ أن بدأ رحلته العلمية، ينظر إلى حاله اليوم وفوقه سحابه ملبدة بالهموم والديون تكاد تمطرا جمراً.

يتأمل الماضي والحاضر، إلى اين وصل به الحال؟ والى متى يبقى على هذا الحال؟ راتبهُ الشهري الغائب منذ سنوات، يصول ويجول بأفكاره للبحث عن مَن يقرضهُ قرضه حسنه، حتى يستطيع ان يكمل ايام الفقر الطويلة؟ يعلم جيدًا ان الحالة المالية لكل الذين يعرفهم لا تختلف عنه كثيرًا ! ويعلم أيضًا ان الديون المتراكمة عليه لا يستطيع تسديدها في القريب العاجل ولا في البعيد الآجل! أصبح يجيد التنكر والهروب والاختفاء من صاحب المنزل فعتاد على سماع كلمات وجمل لا تليق بمكانته الاجتماعية والعلمية، يشعر في كل مره يسمع فيها صراخ أنين ابنه المريض، ويتذكر صاحب الصيدلية والديون المتراكمة، يصاب بنوبة صرح انساني فكل الطرق تأخذك إلى طريق الديون.

بدأ في دوامة لوم النفس، (يا أيتها النفس اللوامة) ترى لو انني لم انهى دراستي الجامعية والعليا وأصبح دكتوراً جامعيا، بل أنني تعلَمت حرفةً وانخرطت في حينها بعملٍ يدوي كما هو الحال مع أخوتي وعيال عمي، بدل سنوات الدراسة التي لم تمنحني إلّا البؤس، أما كان وضععي المادي احسن؟ وكانت في وضع أفضل.

تجمعت في داخله كومة من الهموم وأصبحت بركان، استجمع قواه وشهق شهقة مطولة وهو يحاول أن يخفي دموعة من ابنه الذي استيقظ بسبب الحر الشديد ولا يعلم انه يسمع صوته دون أن يشاهده فحال الظلام بينه وبين أبنه، في هذه اللحظة لم يستطيع أن يكظم الغيض فنادى في الظلامات (لا إله إلا أنت سبحانك أني كنت من الظالمين) فجمع بين الظلم والظلمات، والقهر والذل، ولا تسأل أين راتبك، فأنه من وسواس الشياطين.

القصة تشمل كل من انقطع عنه الراتب واخذنا الدكتور الجامعي نموذجا لما له من مكانة علمية ومجتمعية.. 

 

اخبار التغيير برس

#دعبوشيات

 

 

 

 

 

 

 

 

التغيير برس