التغيير برس

هزة قلم! طلاء الأظافر مثلا!

إنه لأمر يبعث على الحيرة فعلا!

من عجز عن طلاء الأظافر، فهو عن غيره أعجز!

يبدو أن ديننا وأمتنا بليت بحفاظٍ لمحتويات الكتب، وترديد ما يلقن لهم في مايسمى بالجامعات الإسلامية والكليات الشرعية، يتخرجون منها دون أن يستوعبوا مقاصد مايدرسون، ولا يجهدون أنفسهم في التحليل والتقدير والقياس، والاستنباط للأحكام والفتوى.

فهم عاجزون عن إدراك مايراد منهم، واستيعاب الدور المنوط بهم تجاه مجتمعاتهم وشعوبهم، ولذلك تاهوا، وتاهت بهم الشعوب والأوطان.

وردني سؤال من إحدى الأخوات تسألني عن حكم طلاء الأظافر هل يبطل الوضوء؟

بالطبع كنت أعرف الفتوى الجاهزة والمعتادة منذ مئات السنين، بأن طلاء الأظافر يبطل الوضوء، وأنه لابد من تقشيره وإزالته قبل الوضوء.

لكني قعدت أفكر في في هذه الفتوى، وعن مدى صحتها، ثم تذكرت قولا أو رأياً لبعض الفقهاء بأن الوضوء مع طلاء الأظافر يصح، ولا يبطل الوضوء، والسبب هو أن الأظافر منفصلة وليست من البشرة، وبالتالي لا مانع من الوضوء بوجودها عليها.

ظللت أبحث وأسأل هنا وهناك لعلي أجد رأياً أو قولاً بفتوى تخالف المعتاد فلم أجد إلا واحدة أو اثنتين تبيح ذلك، أما البقية فهي ترديد الحافظين للقول القديم ببطلانها.

ضاع الفقه ومادرسوه، تاه المنطق والعقل، جمد التفكير والاجتهاد، تعطلت ماكينات الاستنباط ومدارس الفقه فجأة، لا ليس فجأة، فلقد تعودت على الاتباع والتقليد دون بذل أي مجهود فكري شخصي.

لو تساءلنا وما حكم المسح على الجبيرة؟

ستكون الإجابة بأنها تجوز. فإذا كان يجوز المسح عليها، فلماذا لا يؤخذ طلاء الأظافر بحكم الجبيرة، وكلاهما حائل يمنع وصول الماء؟

لماذ لا يؤخذ حكم حال المرأة مع طلاء الاظافر كحال صاحب الجبيرة من بابين اثنين:

- الأول: "إنما يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر"، من باب يسروا ولا تعسروا، وكذلك قاعدة المشقة تجلب التيسير.

- الثاني: حكم الضرورة (الضرورات تبيح المحظورات).

فالمرأة تحب الزينة، والطلاء من الزينة الظاهرة المسموح بها، وهي من ضرورات زينة المرأة.

وإنه من الحرج والتعسير مطالبة المرأة بشيء من العنت بما لايطاق، بأن تقوم بتزيين نفسها، ثم تزيلها عند كل وضوء في حالة انتقاض الوضوء وهو واقع لا محالة.

المشقة والعنت في الفتوى تسبب الحرج، وفيها إعانة للشيطان على المرأة، وقنطرة التكاسل عن أداء الفروض، وتأخير أوقاتها، يأتي باب درء المفسدة، حيث أن التكاسل عن الصلاة، أوتأخيرها عن وقتها مفسدة أكبر.

أتساءل هنا:

اخبار التغيير برس

- لماذا تقيدون عقولكم بفتاوى الأولين؟

- أين هي حصيلة مجموع ما تعلمتموه من علوم شرعية، وأسس وأصول فقهية؟

- وأين التجديد والاجتهاد في الفتوى؟

إن الشبه قائم بين الجبيرة والطلاء، فكلامهما حائل يمنع وصول الماء إلى البشرة، مع وجود فارق هو أن الجبيرة تمنع وصول الماء إلى البشرة فعلا، بينما طلاء الأظافر يقتصر عليها أي الأظافر، وهي منفصلة عن البشرة.

قالوا إن الجبيرة أمر خارج عن الإرادة، فهو إضطراري، بينما الطلاء اختياري.

فأقول وبناءً على أدلة الفقه: القياس، الإستصحاب، المصالح المرسلة، الاستحسان، المشقة تجلب التيسير، الضرورات تبيح المحظورات، كل ذلك يحتم الجمع بينهما وإصدار فتوى جديدة تتناسب مع الواقع، وترفع الحرج عن المرأة: "مايريد الله ليجعل عليكم من حرج".

فطلاء الأظافر إضطراري أيضا لأنه من لوازم زينة المرأة وضرورياتها، وهي بطبيعتها تحب التزين والتجمل وحسن التبعل لزوجها، فهي ضرورة لها، ثم إنه لا دخل لها بالبشرة فهي منفصلة عنها.

أضف إلى ذلك، لو تمعنا في القول: "يحول دون ملامسة البشرة" فالقصد والغرض من الطهارة والنظافة إزالة النجاسة أو الوسخ الذي قد يعلق بالجلد.

فهل طلاء الأظافر نجس، أو أنه وسخ؟ لا! ليس هو كذلك، بل إنه يمثل طبقة واقية للأظافر من تعلق الأوساخ بها. فعلام إذاً نعقد أمور المرأة؟

علاوة على ذلك هناك تخليل شعر اللحية، والمسح على الشعر عند الوضوء، والتخليل والمسح لا يلامس الجلد، كذلك المسح على الخف أو الجورب، لا يلامس البشرة.

وعند اغتسال المرأة من الجنابة فإنها تخلل شعرها بأصابعها.

لا أدري كيف يفوت أصحاب العلم الشرعي الجمع بين كل تلك الأحكام، وربطها ببعضها، مع أن المسألة أسهل بكثير.

أجزم أن لو كان هذا الأمر يخص الرجل لترفع وتأفف، واحتج على هذه القيود المفضية إلى التهاون بأوقات الصلاة.

وفي الخاتمة أقول:

طلاء الأظافر هذا ليس سوى حصاة في أمواج بحر من قضايا المجتمعات والشعوب والأوطان التي تتلاطم.

ومن كان على صغار الأمور "طلاء الأظافر" عاجزاً، فهو على عظائمها "قضايا الوطن والأمة" أعجز!

 

التغيير برس